وهنا نعرض لدور
أمريكا في الإخراج مذكِّرين بما سمعه المتتبعون لوسائل الإعلام قبل الحادث:
فـ
أمريكا هي التي طلبت من دول
الخليج رفع إنتاجها ليرخص السعر وتنهار
العراق اقتصادياً، وهي التي أبلغت
العراق عن سرقة
الكويت لـ
حقل الرميلة، وهي التي تحدثت وأنذرت من حشود عراقية باتجاه
الكويت، وهي التي أشاعت في بعض مصادرها الإعلامية أن
الكويت مولت مؤامرة عسكرية للإطاحة بـ
صدام، وأخيراً أعطت
صدام الضوء الأخضر لاقتحام
الكويت كما جاء في محضر لقاء السفيرة الذي سنعرضه ضمن الشواهد!!
وعشية الغزو -ليلة الجمعة- أعلن
بوش بالحرف ''أن تجاوز
العراق للكويت إلى غيرها هو أمر غير مقبول'' هذا نص ما أعلنته الإذاعات ونشرته الصحف ومفهومه الواضح -وعاه
صدام وحزبه فتوهموا إمكانية الاعتراف له ب
الكويت.
ولما أعلن
صدام الحكومة الحرة رد
بوش بإعلان أن
أمريكا ترفض الاعتراف بحكومة دُمية، ومفهومه كان الإيغال في الشراك بإعلان الدمج وتقويض الدُمية!!!
فلما استحكمت الأنشوطة وأصبح التراجع مستحيلاً تماماً أعلن
بوش حملته التي لم تهدأ لإعادة آل صباح وفرض القانون الدولي، ومعاقبة من خرقه... إلخ. وشرعت
أمريكا تساوم دول
الخليج للتدخل العسكري، وترددت الدول وحاولت الامتناع، وأخيراً جرى الإعلان هنا عن "طلب المساعدة" من
أمريكا في حين أعلنتها
أمريكا "موافقة" على التدخل، أي أنها هي الطالبة وهذه هي الحقيقة في نظري!!
ومنذ ذلك اليوم حتى اليوم والذي يتردد في وسائل الإعلام الأمريكية كافة هو أن
أمريكا تدخلت لا أنها أعانت!! تدخلت لتحقيق استراتيجيتها وحماية مصالحها والقضاء على عدو يهدد هذه المصالح، لا أنها أعانت صديقاً لها يخشى أن يهاجمه جاره!!
ومن ذلك جواب
بوش الشهير لما سُئل في مجلس الشيوخ الأمريكي ''كيف ترسل
أمريكا أبناءها من أجل شيوخ النفط المستبدين؟ فأجاب: نحن ذهبنا من أجل شيوخ
أمريكا ومصالحها وليس من أجل شيوخ النفط!!''
وبعد نزول الأمريكان أعلن طاغوت البعث "الجهاد المقدس" ورد
بوش بالإعلان عن كفر
صدام وإلحاده وأنه لا يمثل الإسلام، كما أعلنت
تاتشر أنه لا وجه لمقارنته ب
صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله وطيَّب ثراه)، وتحول هياج الرأي العام في العالم الإسلامي نتيجة الإعلام البعثي المركز من استنكار احتلال
الكويت إلى استنكار دخول القوات الأجنبية.
ونتيجة هذا الغليان الذي لم يهدأ احتاجت الحكومة لصوت إسلامي مضاد، فكان إعلان التأييد من مجلس القضاء الأعلى ثم من هيئتكم الموقرة، وتم طلب ذلك أيضاً من المحاكم الشرعية في المناطق كما تعلمون!!
ومع تحفظي على صيغة التأييد من جهة أنه لم يشر إلى أسباب البلاء ووسائل دفعها ولو بإيجاز، ومن جهة أنه لم يُقيِّد الضرورة... وغير ذلك فقد ارتحت من جهة أنه لم يذكر أدلة تفصيلية.
ثم ظهر بعض الخطباء بهيئة المستدرك عليكم، فذكروا أحاديث لا تدل على المقصود؛ لأن مناط الحكم مختلف تماماً، إما لأنها ليست في باب الجهاد أصلاً وإما لاختلاف الواقع اختلافاً كلياً.
فلم يسعني إلا إعلان رأيي كما سمعتموه، وكانت القضية الأساسية عندي وما تزال هي تصور الواقع على حقيقته، وتحذير الأمة من مخاطره في المستقبل، لا سيما بيان أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا، وأن الرجوع إلى الله والضراعة له والاستكانة أساس الحل، وضرورة التوكل على الله وحده وإعداد العدة للاستغناء عن كل ما سواه وإحياء فريضة الجهاد، وتدارك مفاسد وجود هذه القوات، وبيان تقصيرنا وتفريطنا في الإعداد وفي معاملتنا ل
صدام وغيره، وفتح المجال للدعوة وإنكار المنكر... وما أشبه ذلك.
هذا هو خلاصة ما كنتُ أردده ولا أزال وأكرر في كل مناسبة التحذير من التهور والاندفاع العاطفي وترك الحكمة في معالجة الأمور!!
لقد قُضي الأمر وحلَّت الكارثة فلم يعد مجدياً الخلاف في المسألة فقهياً، بل الواجب تدارك آثار هذا الوجود المدمر وإعداد الأمة للخلاص من أسبابه ونتائجه بأفضل الأساليب وأحكمها ومنها ما أشرت إليه آنفاً.
ثم جاءت الوقائع لتُصدِّق التوقعات، وظهرت الشواهد المؤيدة لما خِفتُهُ وحذَّرتُ منه، ولن أطيل عليكم بذكر مآسي الواقع المؤلم عقدياً وسلوكياً، معنوياً ومادياً بعد نزول القوات فكلكم يعلمه، وأنا أعلم أن كثيراً ممن لديهم حقائق جلية عن ذلك قد عرضوها عليكم، ولكنني سأقتصر على شواهد دالة على ما توقعته من خطط
صدام كما ذكرت الشواهد الكثيرة على خطط الغرب.